بين ليلة وضحاها (الحلقة الثانية بعد 25 سنة)
بين ليلة وضحاها (الحلقة الثانية بعد 25 سنة)

بقلم الدكتور كمال أكوجكال
يوم الجمعة، يوم من أيام أعيادنا الدينية…
سيبقي في الأذهان خالدا لأنه انتهى بأجمل وأحلى أغنية…
انتهى ذلك اليوم كما انتهى في قضيتنا الأولى الكلام…
وجه المغرب لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام…
يا سلام على بلادي يا سلام… المغرب لم يأتيكم يوما محاربا… ولو كان كذلك، حتى في الحروب إذا شئتم يكون لكم غالبا.. المغرب مقدام لأنه مغرب…
مغرب الأمس لم يتغير يوم الجمعة الفائت… تغير منذ مدة ولكن أغلب البشر لم ينظروا إلا إلى زمنه الفائت… جاء الزمن الجديد… وولت سنوات الجليد…
حان الوقت الجديد منذ مدة، ولا سيما منذ العهد الجديد… جاء إلينا ملك آخر، ملك من ظهر ملك صنديد… قوي جدا، مقدام جدا… بالخجل في البداية وصفوه، لكنه في الحقيقة لا يوصف… ملك ذو كلمة ولا فض فوه…
كان لباني المغرب الحديث ومهندس المسيرة الخضراء المظفرة خير سلف… ثم بملك الفقراء ارتبط اسمه، لكنه في الحقيقة ملك الجميع…
ملك يروي المغاربة جميعا أمنا وسلما وأملا كأنه لنا ما يمثله لبعض من ديارنا ومداشرنا نهر أم الربيع…
فليعذرني القراء إن كنت في وصف ملكنا قد أطلت… فإني بالفعل لا أراني سوى أخطط وفي وصفه ما وفيت…
أعود بكم إلى تلك الجمعة المباركة وأقول لكم في تمام السادسة استيقظت…
دون منبه ودون مواعيد… ذلك لأنني مبتهج ولأنني سعيد…
مباشرة بعد وجبة الفطور، تذكرت ما يتملكني من حبور… فأنا إلى عروس الشمال قادم… وعلى ذلك منذ أزيد من أسبوع كنت على العقد عازم… من مراكش ونواحيها أناجيها لأنها كانت منقدتي من التيه، كان ذلك في زمن تجنى فيه علي كل بليد وسفيه…
كنت قد عدت إلى طنجة قبل ذلك بسنة… عدت لكن في أيام الأزمنة التي لم يكن لها من عنوان سوى الملاسنة…
عدت هذه المرة عودة البطل المغوار… عودة الفارس الذي لا يشق له غبار…
عدت مؤسسا ورئيسا جهويا لهيئة جديدة… حاربها وما يزال من يعتقد أن له الحق وحده في الانتماء إلى هيئات عتيدة…
عدت وأنا أعلم أننا لا بد أن ننتصر… وأنه لا بد لنا لنشوة ذلك الفوز ولذته أن نستحضر…
في مراكش بعد الشروق، ذهب التجار إلى محلاتهم وزينوها، فضلا عما يبيعونه على الدوام، بأعلام… نعم بأعلام المغرب زينوها، برايات وأعلام حمراء في جوانبها حرير من ذهب وفي وسطها نجمة خضراء… علمت أن لنا مع الأفراح موعد منذ الصباح الباكر، علمت أننا سننتصر ولو كان عدونا اليوم كما الأمس دائما ماكر…
قدت سيارتي بروية منذ إشراقة الصباح من مراكش وأقسمت ألا أستقل الطريق السيار إلا للضرورة أو إذا انقطع عني الكلام المباح… توقفت في ابن جرير… مدينتي ومسقط رأسي… لي فيها مسكن أيضا ولم أعد من الغربة فيها وغيرها من مدننا أقاسي…
شاءت صدف الحياة أن أتأخر بابن جرير وأن أتلمس مجددا عبق ذلك الفوز الذي سيقتل ساعات اليأس والزمن المرير…
الناس يتوقعون الفوز الكبير… الناس يتوقعون من بلدهم الكثير…
وعن بلدهم كما نحن تراجمة المغرب أبناؤه الأبرار لن نتأخر… سنكون في الموعد وللأيام المرة سنثأر….
قلتها في نفسي وانتظرت… كم من مرة ظننت أنني على الزمن انتصرت…
لكني كنت في أحيان كثيرة أعود خائبا وفي الغالب داخليا أكون قد انكسرت…
نسينا انكسارات الأمس وعدت اليوم إلى طنجة، منظما وراعيا لمؤتمر حول تاريخ الصحراء… عنها لن أتأخر ومن طول الطريق أبدا لن أتذمر…
عدت إلى طنجة التي أعشق… عدت إلى المدينة وكنت بالركب مجرد ملتحق…
فاستقبلني أهلها استقبال الملوك…
سألوني إن كان آذاني أو ضايقني في المدينة صعلوك… رديت أنني التقيت فعلا بأحدهم على الساعة السادسة صباحا لكن قصتي معه تشبه قصصي مع فاكهة حب الملوك… سأحكيها أيضا يوما ليستعيظ بعض الناس، خاصة أولئك الذين امتلأت قلوبهم بالشكوك…
قالوا إنني في هذه الأزمنة بطل من الأبطال… وإن نسيان ما فعلت وما كتبت عن طنجة أبدا لن يندرج في إطار ما هو متقادم أو بال…
تذكرت ابنتي وشوقي إليها… سالت دموعي، وكما احتفيت وتغنيت بأصولي تمنيت دوما لو أرى فروعي…
ذهبت إلى طنجة ذهبت إليها من الرباط دون أن أراها ولو أنها لكل السموم ترياق…
وسارع بي إلى الوصول قطار البراق… وصلت أخيرا إلى طنجة…. أمسية الاحتفالات الكبيرة… لن ينساها أحد ولن تنساها حتى ابنتي أو ابنتك أنت ولو كانت صغيرة…
مرت ساعات الاحتفال وحل الصباح… كنت أود الاستيقاظ في فندق شهرزاد وألا ينقطع كلامها المباح…
لكني وجدت الفندق مغلقا… قالوا هذا الحال منذ سنوات، فقلت إن الخير في وجودي هنا كل الخير…
كان صباحا ماتعا وميئا بصدف لن يصدقها أحد… وكنت أنا من بين الناس ذلك الشخص الوحيد والأوحد…
قبل الذهاب، سألت غوغل عن بيت الصحافة… فأتاني بمعلومات لا تخلو من لطافة…
بيت دشنه شخصيا الملك… بيت رحت وكأنني له فعلا متملك…
كنت للقاء المنعقد به من المنظمين… ولم أكن لنفسي أو لغيري أبدا من الظالمين…
حج إلى بيت الصحافة بطنجة الباحثون من كل فج عميق… حجوا من وجدة وأكادير وفاس وبني ملال ومن كل مكان سحيق…
كانوا بالفعل في هذه المناسبة أقوياء، بل تجاوزوا الكلام العابر وبعبيرهم وحبرهم أكدوا أنهن وأنهم للقضية فعلا أتقياء… خطابات تستحق أن ترمى على أعدائدنا كأنها حمم آتية من منجنيق…
توهج أبناء الوطن وانطلقوا… وقال بعضهم إنه مستعد لقول ما قيل وتكراره وأنا معهم لأنهم صدقوا… صرحوا بما لديهن ولديهم بعفوية لأنهن وأنهم أصلا منتشون ويرون مرور الناس والأشياء بروية… هكذا مر ذلك اليوم المشهود، لم يخلف أبدا أي عهد من العهود… الهيئة كما الشريك كانوا في الموعد ولم يضلوا أبدا الطريق، فعلى رأس مندوبية وزارة الثقافة – قطاع الاتصال- انسانة متميزة وللهيئة الوطنية لتراجمة المغرب هيبتها ورئيسها أستاذي الكبير والأنيق.
